هذا الكتاب :
إذا كان من المعلوم أنه لا سبيل إلى الانفكاك عن حقيقة التراث التاريخية والانقطاع عنه، ناهيك عن الاشتغال به، لما له من قوة ملحوظة في الحضور والتأثير؛ ولما يشكله بالنسبة إلينا أساس الصلة بالماضي المشكل لهُوية هذه الأمة، فإننا نحتاج إلى الطرق المنهجية الكفيلة بإعادة تجسير التواصل بيننا وبينه، وذلك بتأصيل الموجود من المناهج وتأسيس المفقود منها؛ فكفانا تبريراً لعجز الذات عن قراءة الذات، وكفانا انسلاخاً عن هويتنا واللجوء إلى ثقافة الغير لننتظم بداخلها، في محاولة فاشلة لإعلان معاصرتنا وحداثة وعينا وانتمائنا للعصر.
إن الإطار العام الناظم لأطروحة هذا الكتاب تَشكل من داخل الاهتمام المتزايد بالتراث في الفكر النهضي العربي، حيث حاولت قدر الجهد البحث في أهم الإشكالات التي يفرزها كل اهتمام بالتراث، تنظيرا وممارسة، وخاصة من داخل بحث علاقة الاهتمام به بقضايا النهضة وإشكالاتها في الفكر العربي، فكان البحث في عمومه متصلاً بأهم قضية لا تزال تؤرق الباحثين على اختلاف تياراتهم ومرجعياتهم، والمقصود بذلك قضية مناهج قراءته.