صدر حديثا كتاب ” مع التفاسير – لطائف قرآنية وهدايات تدبرية ” للشيخ فهد بن عبد الله صالح الجريوي، الباحث الشرعي والمدير التنفيذي الأسبق لمركز تفسير للدراسات القرآنية. والكتاب من توزيع مفكرون الدولية للنشر والتوزيع ويقع في 438 صفحة.

مقدمة كتاب مع التفاسير

الحمد لله الذي أنزل كتابه هدى للمتقين، وموعظة للمؤمنين، وجعله خيرا وبركة لهم في دينهم ودنياهم: نورا لدروبهم، وربيعا لقلوبهم، وشفاء لصدورهم، وجلاء لأحزانهم، وذهابا لهمومهم وغمومهم.

أما بعد:

فإن أولى ما أفنى فيه العبد عمره، وأعمل فيه فكره، وعلق به خاطره: كتاب الله جل وعلا؛ الذي أنزله نورا وهدى للناس، فجمع فيه العلوم النافعة الجليلة، والمعاني الكاملة الجميلة؛ حتى كان أجل أبواب الهداية، وأرشد سبل الفلاح، وأعظم أسباب النجاة، ويسّر على الألسنة تلاوته، وعلى العقول فهمه، وعلى القلوب حفظه؛ فكان خير ما شُغلت به الأوقات، وصرفت إليه الهمم والغايات.

ولقد أدرك علماء الأمة خلفا وسلفا أن كتاب الله ذروة الفضل وذؤابة الشرف؛ فصرفوا إليه همهم وهممهم، ووجهوا له اهتمامهم وعنايتهم، ينهلون من معينه، ويتزودون من علومه، تبتلت قلوبهم في محرابه، وعكفوا على تدبر آياته وجليل عظاته، واستخراج حكمه وأحكامه ودقائق لطائفه واستنباطاته، فأهدوا إلى الناس مفاتيح علم وحكمة تدني من القرآن، وتروي ظمأ المتعطش إلى آدابه ومعانيه وهداياته.

فسبحان من سلكه ينابيع في قلوب الذين أوتوا العلم، وجعله بحرا زاخرا لا تكدّره الدِلاء، مع تسابق وُرّاده، وكثره رواده؛ فإن البشرية لم تعرف مذ براها باريها كتابا يماثله في عظم تأثيره، ووقعه على القلوب والأرواح، وبالغ أثره في نفوس قارئيه وسامعيه. فتبارك الله رب العالمين.

ومن إكرام الله لي، ولطفه بي، وسابغ نعمه علىّ، أن هداني إلى العيش مع تفسير كتابه من سنوات طويلة تقارب العشرين؛ فكنت أقرأ وأستحسن وأقيّد، وأنشر أحيانا شيئا مما أقيده على نظاق ضيق، ثم وفقني الله للاعتكاف على كتب التفسير وعلوم القرآن في كل عام شهرين أو ثلاثة، فكنت أستخرج لطائفها وهداياتها وأنشرها في بعض المواقع الإلكترونية.

ثم رأيتُ أن أنهج منهجا آخر في القراءة، أكثر دقة وضبطا، وهو جرد كتب التفسير كاملة مع التقاط فوائدها وفرائدها، وفي هذه الطريقة خير عظيم، ونفع كبير لمن وفقه الله تعالى إليها وصبره عليها.

ومما منّ الله علىّ بقراءته في تلك الأعوام من التفاسير: موسوعة التفسير المأثور؛ وهي من مفاخر التصنيف في هذا العصر، ةقد جمعت تراث السلف في التفسير، ونكت القرآن للقصاب، وتفسير الراغب الأصفهاني، والكشاف للزمخشري، والمحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي، والتفسير الكبير للفخر الرازي، وتفسير القرآن العظيم للسخاوي، ورموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز للرسعني، والتسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، وتفسير ابن عرفة، ونظم الدرر للبقاعي، والإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي، وتفسير ابن كمال باشا، والسراج المنير للخطيب الشربيني، وتفسير الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحاسن التأويل للقاسمي، وجواهر الأفكار للشيخ عبد القادر بدران، ونظام القرآن للشيخ عبد الحميد الفراهي، وتفسير الشيخ عبد الحميد بن باديس، وتفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي، وأنوار التنزيل للشيخ محمد الخضر حسين، والتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، وتفسير الشيخ ابن عثيمين، ومن التفاسير المجموعة: تفسير الغزالي، وتفسيرالسهيلي، وتفسير الذهبي.

ووما تيسر جمعه من الفوائد القرآنية من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ومجموع مؤلفات ابن قيم الجوزية، ومجموع مؤلفات ابن رجب الحنبلي، وآثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.

ولما عزمت على إخراج هذا الكتاب – مع التفاسير – قرأت جملة أخرى من الكتب ككتب أحكام القرآن، والمتشابه والمشكل والغريب، وبيان القرآن وإعجازه، وعرجت على كتب التفسير وفضائل القرآن من شروح كتب السنة، ونظرت في جملة من أُمَّات كتب الاعتقاد والفقه والأصول والسير والتراجم، التي حوت كما زاخرا من الفوائد والاستنباطات القرآنية وغير ذلك، مما تجده – إن شاء الله – مبثوثا في هذا الكتاب.

وقد عشتُ مع هذه التفاسير ساربا في رياض حدائقها، وشاربا من حياض معارفها، ومقتبسا من أنوارها؛ فكانت من أهنأ أيام العمر وأعظمها بركة وسعادة وانشراحا، ورأيت من النصيحة لكتاب الله أن يجتمع الفكر والجهد على استخراج بعض كنوز التفاسير، التي تعين على التدبر والتفكر في كتاب الله.

وقد رتبت فوائد هذه المصنفات على جميع سور القرآن، ولم أقصد استيعاب جميع آيات الكتاب العزيز، وإنما هي نُبُذ ومختارات، من الهدايات والإشارات.

وقد بذلتُ الوسع في أن تكون هذه اللطائف والهدايات والاستنباطات دانية الظلال مذللة القطوف، وأعرضت عن بعض الاستنباطات لأن بينها وبين معنى الآيات ما بين المُنجد والمُتهِم.

وهذه اللطائف والهدايات التي كتبها أهل التفسير وغيرهم من أهل العلم، هي مظنة الاجتهاد ووريثة أعمار من التأمل والنظر في كتاب الله، فمنها ما يقرُب من الصواب ومنها ما يبعد، ومنها ما تراه بعيدا ثم ترى صوابه بعد مدة من الزمان؛ وهكذا تختلف الفهوم والعلوم، وتتعدد الأنظار والأفكار.

لذا، اخترتُ من هذه اللطائف والهدايات ما غلب على ظني صوابه وفائدته، واجتهدتُ أن أودع في هذه الأوراق، ما طاب وراق، مما رقّ مسلكه ودقّ مدركه، وأرجو أن يدل هذا الطل على غزارة الوابل؛ وما توفيقي إلا بالله.

وقد صدّرتُ الكتاب بعبارات عن فضل التدبر، والعيش مع القرآن والدعوة إليه، ومواقف لأهل القرآن تنفع ذوي الحِجى والبصائر.

وفي الختام؛ أتقدم بالحمد والشكر والثناء على الله تبارك وتعالى، فهو مولى الفضل والخير والإحسان كله، ثم بالشكر والدعاء للكرام الذين طوفوا عنقي بجليل معاونتهم وتشجيعهم، وجميل دلالاتهم. وأسأل الله الكريم عونا وتأييدا وتوفيقا وتسديدا، وعصمة من الزلل وسلامة من الخطل، والصواب في القول والعمل؛ وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهد بن عبد الله بن صالح الجريوي